على وقع كباش داخلي حول صلاحية رئيس الجمهورية في تشكيل الوفد اللبناني واعتراض "شكلي" من الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، على الوفد المفاوض وطريقة الجلوس والصورة التذكارية واحتمالات التواصل بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي، عُقدت أمس الأربعاء الجلسة الأولى من المفاوضات غير المباشرة على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة الأميركية في مقر قوات حفظ السلام "اليونيفيل" في الناقورة في جنوب لبنان، على أن تُعقد الجولة الثانية بعد أسبوعين من اليوم.
انقسام أهل الخط الواحد
وجاء هذا الحدث التاريخي مدجّجاً بالمفارقات، حيث ولّد "فتوراً" بين أهل الخط السياسي الواحد، وتحديداً بين الثنائي الشيعي ورئاسة الجمهورية، تُرجم في بيان الاعتراض المشترك الصادر عن الحزب والحركة اعتبر الوفد اللبناني المؤلّف من عسكريين ومدني (هو عضو في هيئة إدارة النفط) مُخالفاً للاتفاق، لأنه يضرّ بموقف لبنان ويُمثّل تسليماً بالمنطق الإسرائيلي الذي يرغب بالحصول على أي شكلٍ من أشكال التطبيع".
وتعليقا على بيان الثنائي الشيعي، اعتبر المنسّق السابق لقوى "14 آذار" فارس سعيد لـ"العربية.نت": "أن هذا البيان يؤكد أن هناك توزيعاً للأدوار وليس خلافا بين حزب الله وحركة أمل من جهة وحليفهما رئيس الجمهورية الذي يُنفّذ ما يريده الحزب من جهة ثانية، بدليل أنه صدر فجر أمس، ما يعني أنه أتى "رفع عتب" وليس للتأثير على رئيس الجمهورية لجهة تبديل شكل الوفد اللبناني المفاوض".
"اعتراف بإسرائيل"
كذلك، قال الباحث السياسي الدكتور مكرم رباح لـ"العربية.نت": "إن الشكليات التي يعترض عليها الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله ليست إلا لحفظ ماء الوجه بعد اعترافهم بإسرائيل والقبول بالتفاوض معها".
هذا الاعتراض الشكلي، كما وصفه سعيد ورباح، وضعته مصادر مقرّبة من حركة أمل في خانة "قطع الطريق على الإسرائيلي لتحقيق مكاسب سياسية"، فالمهم بالنسبة لنا وحدة الموقف الداخلي في هذه اللحظة التاريخية من أجل المحافظة على حقوقنا وليس للاستثمار السياسي".
ونفت علمها بالدوافع والخلفيات وراء إصرار عون على ضم شخصية مدنية إلى الوفد العسكري المفاوض، إلا أنها ألمحت في المقابل إلى إمكانية تعديل الوفد في الجولة الثانية بعد أسبوعين بأن يكون "حصراً" عسكرياً".
غير أن المفارقة الأبرز لمفاوضات الترسيم أنها تأتي قبل الانتخابات الأميركية الشهر المقبل، ورهان إدارة الرئيس دونالد ترمب على تجميع أكبر عدد ممكن من الأوراق الانتخابية في "صندوق المكاسب".
هل تفاوض إيران أميركا؟
وفي الإطار، اعتبر سعيد "أن الترسيم يؤكد أن إيران دخلت على خط المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي التي طلبت من الأطراف اللبنانيين الالتزام بمصلحتها في حجز مقعد لها للحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة".
وقال "الترسيم قرار إيراني بتنفيذ لبناني هدفه تحسين ظروف مفاوضات إيران مع الإدارة الأميركية الجديدة مهما كانت هوية الرئيس المقبل".
عصا العقوبات تفعل فعلها
من جهته، اعتبر رباح "أن الأميركي "نجح" من خلال سياسة عصا العقوبات التي يرفعها فوق رأس إيران وحزب الله وحلفائهما من كسب ملف ترسيم الحدود، بالإضافة إلى إسرائيل التي كانت تشن ضربات جوية ضد مراكز عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا".
وأضاف "التطبيع بين لبنان وإسرائيل لن يتم إلا بعد أن تقبض ثمنه إيران، إما باتفاق نووي جديد أو بمكاسب في المنطقة، وهي تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية".
دفعة على الحساب
بدوره، اعتبر مدير "معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية" سامي نادر لـ"العربية.نت" "أن مفاوضات الترسيم هي دفعة على الحساب من طهران لواشنطن بضغط من العقوبات، وهي أرست قواعد اشتباك جديدة مع أميركا من خلال الترسيم".
كما اعتبر نادر أن "اتّفاق الإطار يُضعف سردية حزب الله حول عدم الاعتراف بإسرائيل والمقاومة وتحرير القدس، لأنه بالتفاوض مع إسرائيل ولو بطريق غير مباشرة اعترف بها كدولة".
ولعل الأهم في مفاوضات الترسيم بحسب نادر "أنها ستُكرّس أهمية القرارات الدولية بتوقيع من حزب الله".
أنابيب الغاز
ويعوّل اللبنانيون على إنهاء النزاع الحدودي كي تتمكّن الدولة من الاستفادة من اتّفاق الثروات الطبيعية في المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها مع إسرائيل التي تبلغ حوالي 856 كيلومتراً مربعاً من المياه.
وفي عام 2018، وقّع لبنان أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية، مع ائتلاف شركات يضم "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية. وتضم مناطق التنقيب المتفق عليها منطقتين بحريتين، إحداهما محل تنازع مع إسرائيل.
إلى ذلك، رأى نادر "أن مفاوضات الترسيم هي الممر الإلزامي لاستخراج النفط، فلبنان لا يُمكن أن يستفيد من أنابيب الغاز لتسويق مخزونه إذا لم يُحسم اتّفاق الترسيم مع إسرائيل، حتى إنه لا يُمكن الذهاب إلى صندوق النقد الدولي وتوقيع برنامج إنقاذي معه قبل معالجة النزاع الحدودي".
من جهته، قال الخبير النفطي الدولي رودي بارودي لـ"العربية.نت": "إن الموقف اللبناني قوي بالمفاوضات ومتسلّح بالقوانين، لأنه على عكس إسرائيل موقّع على اتّفاقية الأمم المتحدة لقوانين البحار".
كما أشار إلى "أن حصّة لبنان من الغاز ستكون أكثر من 70%، وعند الانتهاء من المفاوضات سيتمكّن لبنان من ترسيم النقاط الحدودية الثلاث بينه وبين إسرائيل وقبرص".
https://ift.tt/2GTwk7o
تعليقات
إرسال تعليق