مرّت أيام قليلة على إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن خطةٍ تصفها بعض وسائل الإعلام الموالية له أنها "رائدة" وأن تركيا بموجبها "سترتقي" في مجال حقوق الإنسان بحلول العام 2023 وستضمن "استقلالية القضاء والعدل ومكافحة التمييز" بمختلف أشكاله، إلى جانب إصلاحات اقتصادية وأخرى متعلقة بوسائل الإعلام.
وتضمنت خطة الرئيس التركي، الذي يقود حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، مقترحاتٍ قانونية أخرى مثل منع الاحتجاز التعسفي، وذلك ضمن 11 بنداً تقول الحكومة إنها ستعمل على تطبيقها في غضون العامين المقبلين، لكن أكبر حزبين معارضين لها وجدا فيها "تكراراً لقوانين محلّية لا تتقيد بها أنقرة".
ووصف نائبان في البرلمان عن حزب المعارضة الرئيسي في البلاد وهو "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد، خطة أردوغان ، بـ "مجردِ كلامٍ فارغ ومُستهلك".
"كيف نصدق"
وقال حسين كاتشماز: "كيف يمكننا أن نصدق خطة الرئيس التركي التي تتضمن إصلاحاتٍ قضائية بينما احتجز الأمن امرأة كردية تبلغ من العمر 71 عاماً وأخرى 79 عاماً في ذات اليوم الذي أعلن فيه أردوغان عن خطته التي تحتوي على بنود مكررة في القانون التركي لا تلتزم بها الدولة؟".
كما أضاف النائب عن الحزب المؤيد للأكراد لـ "العربية.نت": "لقد تزامن الإعلان عن تلك الخطة مع احتجاز عشرات الصحافيين وأعضاءٍ في الأحزاب المعارضة"، مشدداً على أن "لا أحد يمكنه أن يصدق ما تحدّث عنه الرئيس التركي".
ألا يرون اعتقال النواب؟
وفي حين اعتبر أن "الإصلاحات التي أعلنها أردوغان يهدف من خلالها إلى ضبط علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية"، رفض باريش ياركداش النائب عن حزب "الشعب الجمهوري" التعليق على الخطة، معتبراً أنها "لا تستحق المناقشة".
وقال النائب عن حزب "المعارضة الرئيسي" لـ "العربية.نت": "ألا يتابع أولئك الذين يتحدّثون عن حقوق الإنسان كيف أن الشرطة تمنع نواباً منتخبين من الحديث لوسائل الإعلام؟"، مستشهداً بمنع السلطات لنوابٍ من الحزب المؤيد للأكراد من عقد مؤتمر صحافي قبل ساعات.
ولا يختلف كثيراً موقف النائبين في البرلمان التركي من خطة أردوغان، عن مواقف منظماتٍ دولية معنّية بحقوق الإنسان وناشطين آخرين يقبع أصدقاؤهم المدافعون عن الحريات في تركيا خلف القضبان.
تدهور خطير لحقوق الإنسان
وقالت ميلينا بويوم، مسؤولة الحملات المعنية بتركيا في منظمة "العفو الدولية" إن "خطة العمل الخاصة بحقوق الإنسان التي أعلنت عنها أنقرة في 2 مارس الحالي، تفتقر إلى التفاصيل، لا سيما فيما يتعلق بوضع القضاء والمحاكمات غير العادلة ذات الدوافع السياسية، وكذلك الاحتجاز المطوّل".
كما أضافت أن "السلطات لم تقدم بعد على اتخاذ خطواتٍ ملمّوسة، حيث ترفض أنقرة إلى الآن الالتزام بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو ما يعني تدهوراً خطيراً لحقوق الإنسان"، مشددة على أن "خطة الرئيس التركي لا تتطلب تشريعاتٍ جديدة".
إلى ذلك، قالت "يمكن للمحاكم المحلية التي تنفذ الأحكام وتصدرها بما يتماشى مع أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تُظهر تحسناً فورياً في التمتع بحقوق الإنسان في البلاد إذا ما قررت اليوم إطلاق سراح رجل الأعمال المعروف عثمان كافالا والرئيس المشارك الأسبق للحزب المؤيد للأكراد صلاح الدين دمّيرتاش وتنفيذ الأحكام المؤكدة في قضيتهما".
مجرد كلمات
من جهته، اعتبر المدوّن والصحافي المعروف يافوز بايدار المقيم خارج تركيا منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة على حكم الرئيس أردوغان منتصف العام 2016 أن "الرئيس التركي غير جادٍ في تحسين حقوق الإنسان في البلاد".
وقال الصحافي التركي الذي يُعرف بدفاعه عن حقوق الإنسان لـ "العربية.نت" إن "خطة أردوغان في الواقع نص طويل مكوّن من عدّة صفحات تشبه مجموعة من التعهدات والنصوص السابقة التي كانت تعمل عليها أنقرة دون أن تسجّل أي نتائج ملمّوسة، وهي ليست سوى جبل من الكلمات التي تتجاهل أسباب مشاكل حقوق الإنسان في تركيا كالبنود الإشكالية في القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب وحالات تعذيب واختطاف المعارضين".
كما أضاف أن "معظم بنود هذه الخطة تتعلق بحقوق الإنسان لكنها أقل ارتباطاً بالتحسينات الإدارية المطلوبة التي يحتاجها الجهاز القضائي في تركيا، وهي لا ترتقي إلى مستوى الوعود التي قطعتها أنقرة في احترام أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".
إلى ذلك، استبعد بايدار لجوء السلطات إلى اتخاذ قراراتٍ فعلية من شأنها تحسين ظروف المدافعين عن حقوق الإنسان كتطبيقٍ لتلك الخطة، قائلاً في هذا الصدد: "لا يمكن للسلطات إطلاق سراح كافالا أو دمّيرتاش، وكذلك أحمد آلتان رئيس التحرير والمؤلف البالغ من العمر 71 عاماً القابع خلف القضبان. هؤلاء 3 شخصياتٍ بارزة وهم من رموز المجتمع المدني والصحافة الحرّة والنضال الكردي من أجل الحقوق الديمقراطية".
ممارسة القمع.. ومناورة أردوغان
وأشار إلى أن "قضية هؤلاء المحتجزين الثلاثة سياسية بحتّة ولا علاقة لها بالقانون أو العدالة"، لافتاً إلى أنه "طالما تستمر الحكومة بممارسة القمع، فإطلاق سراح أي منهم يكاد يكون مستحيلاً، ذلك أن الإفراج عنهم سيكون بداية انهيار سلطة أردوغان".
وتابع: "في حال تم إطلاق سراح كافالا، دمّيرتاش، أو آلتان، فسيُفهم ذلك كتراجع لسطوة الحكومة، وسيبدأ معه كثير من الناس، رفع أصواتهم المعارضة، وبالتالي لا تحتمل أنقرة حصول هذا الأمر، ولذلك ستستمر في احتجاز الشخصيات الثلاثة كرهائن خاصة دمّيرتاش الذي يشكل تحدياً سياسياً لأردوغان كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية المقبلة".
إلى ذلك، رأى أن "الرئيس التركي يستغل الوقت، فقد تحدّث الآن عن هذه الخطة لمناورة واشنطن وأوروبا التي لم تفرض عليه عقوباتٍ قاسية، خاصة أنه يرى الاتحاد الأوروبي هيكلاً ضعيفاً، لكنه قد لا يفلت من العقوبات المطروحة لا سيما مع وصول الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض وشعور الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض والبنتاغون بالإحباط الشديد من أردوغان".
https://ift.tt/38hi9Dp
تعليقات
إرسال تعليق