على مدى الأيام الماضية، شهدت الأروقة السياسية في بيروت تداول معلومات تتمحور حول دخول تركيا على خط الملف اللبناني من بوّابة الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها اللبنانيون، مستغلّةً الأوضاع المعيشية التي تتدهور بشكل متسارع نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
وفي هذا السياق، أشارت بعض المعلومات إلى "تورّط" تركي في سلسلة أحداث حصلت في شمال لبنان في الفترة الأخيرة وتقديم الدعم لمجموعات تتلطّى بالمطالب المعيشية فضلاً عن تمويل بعض أعمال تخريب شهدها وسط بيروت التجاري.
تدخل تركي شمال لبنان
هذه المعلومات أكدتها مصادر رسمية رفيعة لـ"العربية.نت" متحدّثةً عن "استثمار" تركي ضخم في مناطق الشمال من بوّابة المساعدات الاجتماعية التي تُقدّمها أنقرة للبنانيين". ولفتت إلى "أن أنقرة ومن خلال الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) تستغل الفقر والجوع في مناطق عدة، لاسيما في الشمال من أجل توزيع مساعدات معيشية عبر مكاتب استحدثتها في طرابلس وعكار.
كما أشارت إلى "وجود مدارس في الشمال تم إنشاؤها بتمويل تركي تُدرّس اللغة التركية، وتُقدّم منحاً لطلابها لإكمال دراستهم في تركيا، وهذا سمح لتركيا بأن كوّن لها موطئ قدم في الشمال، خصوصاً أن هناك بلدة في عكار (الكواشرة) تقطن فيها "جالية تركمانية" (لبنانيون من أصل تركي مازالوا يتكلمون اللغة التركية ويتمسكون بالعادات والتقاليد التركية) كان قد خصّها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة أثناء زيارته لبنان في العام 2010".
تدخل قطري
وألمحت المصادر إلى دور قطري في هذا المجال من خلال إشارتها الى "أن الجماعات التي تدور في فلك الإخوان المسلمين في لبنان على تواصل دائم ومستمر مع الأتراك، وأن هناك تنسيقاً تركياً-قطرياً في هذا المجال لتقديم الدعم المادي لهذه المجموعات".
وأوضحت "أن أحد أبناء مدينة طرابلس الذي برز اسمه خلال التحرّكات الاحتجاجية التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول وأوقف مؤخرا لدى الأجهزة الأمنية في لبنان تشير معظم المعطيات المتوفّرة لديها إلى أنه يعمل لصالح الأتراك".
توسيع مروحة التدخل
ولا يبدو أن التدخل التركي في لبنان محصور بحدود المناطق الشمالية، إذ وبحسب المصادر الرسمية "فقد جرت محاولة لتوسيع مروحته في اتّجاه مدينة صيدا جنوب لبنان من البوّابة الصحية عبر مستشفى متخصص بمعالجة الحروق ساهمت تركيا في بنائه، غير أن هذه المحاولة لم تتوسّع كثيراً كما هي الحال بالنسبة لشمال لبنان، لأن التواصل الجغرافي مع مناطق الشمال أقرب وأسهل من الجنوب".
أما عن هدف تركيا من التغلغل بالملف اللبناني، فتشير المصادر إلى "أن لها مصلحة في التمدد في المناطق السنّية و"تخريب" الوضع الأمني، وهذا يتقاطع مع أهدافها في سوريا، حيث تريد خلق الفوضى داخل الدول القريبة من سوريا، مثل لبنان وليبيا من أجل تثبيت سيطرتها على شمال سوريا وحجز موقع متقدّم لها على المتوسط". وأوضحت المصادر الرسمية "أن المسؤولين الرسميين في لبنان باتوا على دراية بما تحضّر تركياً للبنان ".
ما وراء النشاطات الاجتماعية
من جهته، أوضح المحلل السياسي خورشيد دلي المتابع للشأن التركي والكردي لـ"العربية.نت": "أنه عندما تتكاثر النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لتركيا في منطقة معيّنة فإن ذلك يكون مقدّمة لتفجير ما تمهيداً لسيطرة أو تمدد سياسي ما". وقال "إن معظم تجارب التدخل التركي في سوريا أو في شمال العراق وليبيا أفضت جميعها إلى حجز موقع متقدّم لأنقرة في تحديد مصير تلك الدول، وبالتالي فإن تثبيت موطئ قدم لها في لبنان من بوّابة الشمال سيجعلها مشاركة في رسم السياسة الداخلية".
خصوصية شمال لبنان
وأشار إلى "أن أدوات تركيا متعددة في هذا المجال، بالسياسة من خلال علاقاتها بجماعات الإسلام السياسي وبالاقتصاد عبر شركات ووكالات، والجزء الآخر من خلال الأعمال الخيرية". وأوضح "أن للشمال اللبناني خصوصية معيّنة، إذ إن هناك مناطق سكّانها من أصول تركمانية تحاول تركيا استغلال أوضاعهم تحت عناوين قومية تماماً كما تفعل في سوريا وليبيا وشمال العراق".
كما اعتبر خورشيد دلي "أن كل العوامل تبدو أنها نضجت للبدء بتفجير تركي للداخل اللبناني في تكرار لسيناريو طرابلس الغرب في ليبيا".
وأبعد من الأهداف السياسية والاجتماعية لأنقرة في شمال لبنان، رأى "أن خلاصة النشاط التركي له أهداف استراتيجية متعلّقة بمشاريع الطاقة والغاز، فمن خلال إقامتها بُنياناً اجتماعياً وتنظيمياً تحاول فرض نفسها كقوّة مؤثّرة في مجال الطاقة تمهيداً لتوقيع اتفاقات في مجال إنتاج الغاز وذلك في استكمال لخطوط الغاز في المتوسط التي تمدّها".
https://ift.tt/3gXeY5G
تعليقات
إرسال تعليق