انتقدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المادة 299 من الدستور التركي التي توجب معاقبة مواطني البلاد والأجانب بذريعة إهانة رئيسها. جاء ذلك بعدما تلقت المحكمة، التي تتخذ من مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقرّاً لها، شكوى من مواطنٍ تركي قضى عدّة أشهرٍ في السجن بذريعة إهانة رجب طيب أردوغان، وقد حكمت أخيراً لصالحه بإجبار أنقرة على تعويضه معنوياً ومادياً.
واعتبرت المحكمة الأوروبية أن "القانون التركي الذي يُعاقب الناس على المساس بصورة الرئيس، لا يتماشى مع مضمون الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، وذلك في نص حكمها الذي أدان تركيا وقضى بتعويضها لصاحب الشكوى بمبلغ 7500 يورو.
وقال محاميان تركيان، أحدهما عضو في نقابة المحامين بإسطنبول والآخر في فرعها بأنقرة، إن المادة 299 من القانون التركي تستخدم لملاحقة خصوم الرئيس وأولئك الذين ينتقدون الحكومة الحالية، التي شكّلها حزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده أردوغان بالتحالف مع حزب "الحركة القومية" اليميني الذي يتزعّمه دولت بهجلي.
ولم تكشف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عن هوية المواطن التركي الذي تقدّم بشكوى ضد حكومة بلاده، لكنها اكتفت بالكشف عن عمره، فهو في عقده الثالث. وقد سُجِن بالفعل لأكثر من شهرين بعد إدانته بإهانة أردوغان، إذ حُكِم عليه في عام 2017، بالسجن لمدّة 11 شهراً و20 يوماً مع وقف التنفيذ بعد نشره رسمين كاريكاتوريين للرئيس التركي وجدت فيه السلطات مساساً بشخصية أردوغان.
وقال مسعود أوزر وهو أيضاً محامٍ وعضو في نقابة المحامين التركية إن "أنقرة مرغمة على تطبيق وتنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية نتيجة عضويتها في مجلس أوروبا الذي ينحدر مختلف قضاة المحكمة الأوروبية من دوله، وكذلك بحسب المادة 90 من القانون التركي والمادة 46 من اتفاقية أوروبا لحقوق الإنسان".
وأضاف لـ"العربية.نت": "قد تكون انتقادات المحكمة الأوروبية مؤخراً للقضاء التركي بمثابة تمهيدٍ لمزيد من التصعيد ضد أنقرة في الفترة المقبلة خاصةً وأن مجلس أوروبا تعهّد الشهر الماضي بتأديب تركيا في شهر نوفمبر المقبل بعد رفضها المتكرر لتطبيق وتنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية".
وتابع: "مجلس أوروبا قد يُعلق مؤقتاً عضوية أنقرة في حال استمرارها بالتهرّب من تنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية، لكنه قد يضطر لاحقاً لسحب عضوية تركيا بالكامل إذا ما استمرت في عدم تطبيق قرارات المحكمة الأوروبية".
ويُدافع أوزر منذ سنوات كمحامٍ عن محتجزين ألقت السلطات الأمنية التركية القبض عليهم ووجهت لهم تهماً مختلفة. وكان صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك الأسبق لـ"حزب الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد، واحداً من موكّليه.
وقال في هذا الصدد: "لقد قضت المحكمة الأوروبية بإطلاق سراح دميرتاش وأيضاً رجل الأعمال المعروف عثمان كافالا، ومع ذلك لم تلتزم أنقرة بهذه الأحكام واكتفت بتعويض الأول مادياً. ينبغي عليها المضي قدماً في تنفيذ الحكم بالكامل، وبالتالي إطلاق سراح دميرتاش".
كما اعتبر أن "رفض تركيا لتطبيق قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بخصوص الإفراج عن دميرتاش وكافالا يعد مسألة سياسية لاسيما وأن أنقرة في بعض الحالات التزمت بتطبيق قرارات المحكمة".
وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد شددت الثلاثاء خلال حكمها الذي يدين تركيا في قضية سجن أحد مواطنيها بذريعة إهانة رئيسها، على أن واقع حقوق الإنسان مُزر في البلاد، وقد تدهّور بالفعل منذ إلغاء الرئيس التركي لنظام الحكم البرلماني في تركيا وتحوّيله لنظامٍ رئاسي دخل حيّز التنفيذ في منتصف عام 2018 ومنحه صلاحياتٍ واسعة ومطلقة.
كما شددت المحكمة أيضاً على أن "العقوبة التي توجبها المادة 299 من القانون التركي بذريعة إهانة الرئيس، تؤدي حتماً إلى تأثيرٍ رادع لرغبة الآخرين في التعبير عن رأيهم حيال قضايا تتعلق بالمصلحة العامة".
وفي عام 2020 فقط، تمّ فتح 31 ألفا و297 تحقيقاً بتهمة إهانة الرئيس في مكتب المدعي العام التركي، بحسب الأرقام التي أوردتها وزارة العدل التركية الشهر الماضي.
وبموجب المادة 299 من قانون العقوبات التركي، يُحكم على المدانين بجريمة "إهانة الرئيس"، بالسجن لمدة زمنية تتراوح بين سنة وأربع سنوات.
https://ift.tt/2ZkWYiq
تعليقات
إرسال تعليق